بعد غياب امتد لأكثر من ثلاث سنوات عن لبنان الحبيب، عدنا إليه رغم كل ما سمعناه من تحذيرات الأصدقاء بأن الظروف لا تسمح بالسفر، وأن التوترات الأمنية تلف البلاد من أقصاها إلى أقصاها. لكننا كنا نؤمن بأن لبنان لا يستحق أن نهجره في ضعفه، بل أن نقف معه في محنته، وبمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار، كنا قد حجزنا تذاكرنا دون تردد، متوجهين إلى بيروت بعزيمة القلب قبل الأقدام.
فور وصولنا مطار بيروت الدولي، لفت انتباهي حجم التطور في المطار من حيث الاستقبال وسهولة إنهاء الإجراءات، في صورة تعكس إرادة الحياة لدى اللبنانيين، كما أن الطريق من المطار كان مزينًا بلافتات الترحيب وأخرى تحمل شعارات الجيش اللبناني، لتشعرك بالأمان الذي غاب طويلًا عن هذه الأرض الطيبة.
وقد أعد كل الترتيبات لاستقبالنا العمدة الصديق فهد التميمي، الذي يحظى بمكانة كبيرة ومحبة واسعة بين رجال الأعمال اللبنانيين، فكان استقبالا يعكس عمق العلاقات الأخوية وكرم الضيافة اللبنانية.
ولأن الرحلة كانت مرتبة بحب وعناية من الأخ والصديق نقيب الصحفيين اللبنانيين الأستاذ عوني الكعكي، كانت أولى محطاتنا لقاء معالي وزير الإعلام اللبناني بول مرقص.
ففي صباح اليوم التالي، بدأنا يومنا بزيارة وزارة الإعلام، برفقة الأخ النقيب عوني الكعكي، وعند دخولنا مكتب الوزير، استقبلتنا السيدة ريما مديرة مكتبه بحفاوة ولباقة كانت قد رافقت تواصلها معنا حتى قبل اندلاع الحرب.
وبينما كنا ننتظر، دخل شاب وسيم وأنيق، صافحنا بحرارة وجلس بجوار النقيب، وظل يرحب بنا بكل تواضع. للحظات لم أكن أعلم من هذا الشاب الذي لا يسبقه ضجيج الموظفين ولا طقوس المبالغات المعتادة في الاستقبالات الرسمية، قبل أن أكتشف أنه الوزير نفسه حينها شعرت أنني أمام رجل دولة لا يبحث عن الألقاب، بل عن خدمة وطنه.
تحدث معالي الوزير بكلمة ترحيبية أصيلة، شكر فيها الكويت أميرا وحكومة وشعبا، وأوصل سلاما خاصا لمعالي وزير الإعلام الكويتي الأخ عبد الرحمن المطيري. ودار بيننا حوار مثمر حول إنشاء ملتقى إعلامي عربي في لبنان يجمع الصحفيين والإعلاميين على أرض الأرز، وتخصيص مقر لاتحاد وسائل الإعلام الذي نعمل على إنشائه خدمةً للبنان وللإعلام العربي.
وفي لقائنا الثاني، كانت لنا محطة تاريخية مع عميد البرلمانيين العرب، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. لقاء حمل بين طياته المحبة الصادقة للكويت، حيث أكد الرئيس بري أن للكويتيين مكانة خاصة في قلوب اللبنانيين، وأن الكويت كانت دائمًا من أوائل الدول التي أحبت لبنان وساهمت في إعمارها، وأشاد بالراحل الكبير ناصر الخرافي رحمه الله. ولم يتوقف عند ذلك، بل وعد بتذليل كل الصعوبات لتأسيس جمعية "خليجيون في حب لبنان"، لتكون منظومة شعبية تساهم في دعم لبنان سياحيا واستثماريا وإعلاميا، وكلف الأخ فؤاد سعيد بمتابعة الإجراءات اللازمة.
أما لبنان… لبنان الجميل، الذي كان يومًا من أجمل بقاع الأرض، رأيته اليوم كشيخ هده التعب وطعنته الحروب، حتى جباله شعرت وكأنها حزينة تئن تحت وطأة الألم. ومع ذلك، لبنان ما زال يملك الجمال المتجذر في طبيعته وناسه الطيبين، وقلوبنا جميعا متفائلة أن يعود هذا الوطن العزيز إلى أحضان أشقائه العرب، مستقرا مزدهرا بجهود كل أبنائه دون استثناء، وأن يتعافى من جراحه. فقد آن الأوان لهذا الشعب الجميل أن ينعم بالأمن والسلام، وأن يسترد حقوقه.
واليوم، مع وجود الرئيس جوزف عون، ودولة الرئيس نواف سلام على رأس الحكومة، يتملكنا التفاؤل بلبنان جديد يليق بتاريخه وحضارته، لبنان قادر على النهوض إذا تكاتف الجميع على البناء لا الهدم.
ومن هنا أدعو مواطني دول الخليج لزيارة لبنان وتشجيع السياحة فيه، كما أدعو رجال الأعمال في مجلس التعاون للاستثمار في هذا البلد الواعد، على أمل أن تترافق هذه الاستثمارات مع إصلاحات اقتصادية وضمانات مصرفية تحمي أموال المستثمرين. ولن تكتمل الصورة إلا إذا قامت البنوك الخليجية بافتتاح فروع لها في لبنان كما هو الحال في مصر، ولتقتدي البنوك الكويتية بالبنك الوطني الكويتي الذي كان بالفعل في مقدمة المبادرين وافتتح فرعا في لبنان.
وفي الختام، أسأل الله أن يحفظ لبنان وشعبه من كل مكروه، وأن ينعم عليهم بالأمن والأمان، والشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح زيارتنا، وفي مقدمتهم العمدة فهد التميمي، والأخ فؤاد سعيد، والسيد مارون الخولي، وعلى رأسهم الأخ النقيب عوني الكعكي.
وللحديث بقية..
د/ يوسف العميري
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار الرياضية فى هذا المقال : لبنان.. وإن طال الغياب - بلس 48, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 12:38 مساءً
0 تعليق