نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأمن القومي الرقمي لم يعد رفاهية… بل ضرورة وطنية بعد حريق رمسيس - بلس 48, اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 02:53 مساءً
لم يكن حريق سنترال رمسيس مجرد حادث عرضي… بل كان جرس إنذار صاخب أيقظنا جميعًا على حجم الهشاشة التي ما زالت تتسلل داخل بنيتنا التحتية الرقمية، ومدى الحاجة إلى مراجعة جادة، وفورية، لمفهوم الأمن القومي الرقمي في مصر.
لا أكتب هذه السطور من باب التنظير أو جلد الذات، بل من منطلق الحرص على الوطن، والإيمان بأن إدارة الأزمات تبدأ بالاعتراف بوجود الخلل. نحن لسنا الدولة الوحيدة التي تواجه أزمات تقنية أو حرائق، لكننا نملك الفرصة الكاملة لتفادي تكرار الكارثة، إذا ترجمنا هذا الدرس المرير إلى خطة وطنية واضحة تتضمن تشريعات صارمة، واستثمارًا حقيقيًا، وتنفيذًا فعّالًا.
المشكلة في التصميم.. وليست في القدر
ما كشفته هذه الأزمة، هو أننا نعتمد على نقطة تشغيل مركزية واحدة (Single Point of Failure) دون وجود بنية رديفة أو بدائل احتياطية (Redundancy)، وهذا خلل فني خطير لا يليق بدولة بحجم مصر، خصوصًا مع تسارع وتيرة التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، والمالية، واللوجستية.
الحريق لم يتسبب فقط في توقف خدمات الاتصالات والإنترنت الأرضي، بل أثر بشكل مباشر على البنوك، وأجهزة الـATM، والتعاملات الإلكترونية، مما يدل على ترابط المنظومة التقنية، وهشاشتها في مواجهة أي طارئ.
روشتة مواجهة.. من قلب الأزمة
بصفتي متخصصًا في إدارة الأعمال والمخاطر، أضع أمام الجهات المعنية روشتة مبدئية لدروس مستفادة من حريق رمسيس:
1. شبكات بلا مركزية حرجة:
لا بد من تصميم الشبكات الحيوية لتعمل من خلال مسارات متعددة (Multi-Site)، حتى لا تنهار المنظومة كاملة بتوقف موقع واحد.
2. إدارة الأزمات ليست أوراقًا على الحوائط:
يجب تنفيذ اختبارات محاكاة دورية (Simulation) بمشاركة كل الأطراف، لاكتشاف الثغرات وتجربة خطط الطوارئ قبل وقوع الأزمات.
3. الفشل أغلى من الاستثمار:
قد تبدو البنية التحتية الرديفة مكلفة، لكن خسائر يوم واحد من الانهيار الرقمي قد تصل لمئات الملايين.
4. ثقافة الطوارئ مسؤولية الجميع:
يجب أن يكون لدى الأفراد والمؤسسات بدائل وقت الطوارئ، سواء كانت تحويلات ورقية، أو أنظمة Offline، أو خطط بديلة للعمليات اليومية.
5. تشريعات صارمة لخطة استمرارية الأعمال (BCP):
لا بد من قانون يُلزم جميع الكيانات الحيوية (اتصالات – بنوك – شركات دفع إلكتروني – مراكز بيانات) بتوفير مواقع احتياطية (DR Sites) وفق معايير محددة.
6. كوادر مدربة على التحول السريع:
التحول بين مراكز الخدمة في حالة الطوارئ يتطلب فرق فنية مدربة، وهذا لا يتم بدون استثمار سنوي مستمر في الكفاءات.
ما الذي يجب فعله الآن؟
بناءً على ما سبق، أرى أن التحرك المطلوب يتوزع على عدة مستويات:
تشريعيًا: ينبغي على البرلمان الإسراع في إقرار قانون يلزم بوجود خطة استمرارية أعمال (BCP) لكل جهة تقدم خدمة حيوية.
استثماريًا: يجب على الدولة أن تضخ استثمارات استراتيجية في إنشاء مراكز بيانات قومية متعددة، مرتبطة بنظام Redundancy يُمكن من التحويل الفوري.
بشريًا: لا بد أن تكون هناك خطة لبناء كوادر وطنية في إدارة الأزمات والمخاطر التقنية، من خلال شراكات بين وزارتي القوى العاملة والتعليم.
فنيًا: وزارة الاتصالات مطالبة بإعادة تصميم الشبكات القومية بما يضمن عدم الاعتماد على نقطة واحدة، وتفعيل المحاكاة الدورية لإدارة الطوارئ.
وأخيرًا… دور المواطن
أطالب المواطنين بترك مساحة كاملة لفرق الحماية المدنية للقيام بواجبها في حالات الطوارئ، وتجنب نشر الشائعات، وتقليل استخدام الإنترنت لتخفيف الضغط على الشبكة، والتعامل مع الأزمة بعقلانية وتعاون، خاصة مع كبار السن والأطفال.
لقد علمتنا هذه الأزمة أن التحول الرقمي لا يعني رفاهية تقنية، بل يجب أن يصاحبه دائمًا أمن سيبراني، ومرونة تشغيلية، وخطة بديلة جاهزة للتفعيل في أي لحظة.
مصر قادرة على تجاوز أي أزمة إذا تحركت بعقل واعٍ وتخطيط استباقي، ولعل حريق رمسيس يكون نقطة بداية حقيقية نحو منظومة رقمية قوية وآمنة ومتماسكة.
حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
0 تعليق