في لحظة التهبت فيها سماء القاهرة بدخان كثيف متصاعد من قلب العاصمة، التقطت عدسات الكاميرات صورة لضابط شاب يكسوه الإرهاق والتعب، يقف شامخًا بين ألسنة اللهب في حريق سنترال رمسيس، لم يكن يعرفه الكثيرون وقتها، لكن ملامحه المرهقة كانت تحمل شيئًا من البطولة المألوفة… وبعد ساعات، تبين أن هذا الشاب ليس إلا نجل الشهيد العميد امتياز كامل، الذي ارتقى في معركة الواحات الشهيرة عام 2017، وهو اليوم يسير على خطى والده، حاملًا نفس الرسالة: "حماية الوطن ليست مجرد مهنة.. بل عهد لا ينقطع."

"نور الدين امتياز كامل".. ملازم أول في الحماية المدنية، خريج دفعة 2023 من أكاديمية الشرطة، لم يكن مجرد ضابط يؤدي واجبه بالأمس في حريق سنترال رمسيس، بل كان صورة حية لامتداد رسالة والده الشهيد.

عند استشهاد والده في أكتوبر 2017 خلال حادث الواحات، كان نور لا يزال في السادسة عشرة من عمره، طالبًا في الثانوية، لكنه كان يحمل وعيًا أكبر من سنه، وقرر منذ ذلك اليوم أن يُكمل المشوار الذي بدأه والده، فالتحق بالأكاديمية الشرطية، متحديًا كل الظروف، ومتمسكًا بإيمانه بأن الوطن يستحق التضحية.

تواصلنا مع والدته، السيدة سحر، أرملة الشهيد، التي تحدثت بفخر:

"نور مش بس ضابط.. نور بيكمل رسالة والده اللي استُشهد وهو بيحارب الإرهاب. يوم الحريق أمس كان وقت راحته، لكن أول ما استدعوه نزل فورًا.. دي مش أول مرة.. شارك قبل كده في حريق ستوديو الأهرام، وحريق مدينة الإنتاج الإعلامي، ومصنع كيماويات في أكتوبر، وكمان في مصانع العاشر من رمضان".

الصورة التي التقطت له بالأمس، والتي أظهرت ملامح الإنهاك على وجهه بعد ساعات طويلة من العمل وسط النيران والدخان، لم تكن سوى لقطة عابرة للواقع اليومي الذي يعيشه ضباط الحماية المدنية، خاصةً أولئك الذين يحملون في داخلهم قصة ممتدة من الفداء.

قد تُطفأ النيران، وينتهي الدخان، وتُرمم الجدران، لكن البطولات التي تُسطر في هذه اللحظات تبقى شاهدة على رجالٍ نذروا أنفسهم لحماية هذا الوطن.

نور الدين امتياز كامل ليس مجرد ضابط شاب في صفوف الحماية المدنية، بل هو شاهد حي على أن دماء الشهداء لا تجف، بل تُنبت رجالًا من نار، يقفون في وجه الخطر، ويكملون الطريق حتى النهاية.